أديان وطوائف غير معروفة | مصراوي
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن رأي الموقع. أفادت الموسوعة المسيحية العالمية “باريت” (طبعة 2001) بأن عدد الديانات في العالم وصل إلى نحو عشرة آلاف، منها 150 ديانة تجاوز عدد مؤمنيها المليون. رضوى الأسود في كتابها “أديان وطوائف مجهولة” (2024) استعرضت 4200 ديانة وطائفة مختلفة بأسلوب موثق ومكثف، مع التركيز على الديانات غير الإبراهيمية مثل اليزدانية، الميثرائية، الإيزيدية، والطاوية. اعتمدت الأسود على التشابهات بين الأديان لتقريب وجهات النظر. الكتاب يضيف أهمية للدراسات المقارنة بين الديانات والعقائد المختلفة.
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
بحسب الموسوعة المسيحية العالمية «باريت»، طبعة 2001، فإن عدد الديانات في العالم عبر التاريخ بلغ نحو عشرة آلاف ديانة، منها 150 ديانة بلغ عدد المؤمنين بها مليون فرد فأكثر، أما بقية الأديان، فعدد التابعين لها لم يتجاوز المليون عبر التاريخ. وقد تم رصد نحو 4200 ديانة وعقيدة ما بين ملل وفرق وكنائس وطوائف ومذاهب وعشائر.
لعل هذا ما يضفي أهمية خاصة على كتاب رضوى الأسود تحت عنوان «أديان وطوائف مجهولة: جوهر غائب ومفاهيم مغلوطة» (دار المحرر، 2024) الذي يتناول عبر 236 صفحة من القطع المتوسط، بأسلوبٍ مكثف وموثق أديانًا وطوائف مختلفة، مثل اليزدانية، والميثرائية، والزرداشتية، والإيزيدية، والصابئة المندائية، والطاوية، والكونفوشية، والشنتوية، والجاينية (اليانية)، والمانوية، والمزدكية، والإباضية، والقاديانية الأحمدية، والدرزية، والسيخية، والبابية، والبهائية، والكاكائية (اليارسانية/الصالية)، والهلاوية (العلويون الأتراك).
من الواضح، إذن، أن الباحثة رضوى الأسود أولت اهتمامها للديانات والعبادات والفِرق والمذاهب الأخرى غير الديانات الثلاث التي يُطلق عليها «الإبراهيمية» أو «السماوية»، أي اليهودية، والمسيحية، والإسلام. وذلك لأن معلوماتها متاحة أكثر من غيرها. اختارت المؤلفة الطريق الأصعب، فركزت على الديانات والفِرق والمذاهب المجهولة لكثيرين.
تُقر المؤلفة بأن ثمة أديانًا أرهقتها بدرجةٍ كبيرة في عملية التنقيب والبحث عنها، مثل الكاكائية، والدرزية، والهلاوية، لأسبابٍ مختلفة؛ أولها وأهمها حالة التعتيم الشديدة، والسرية التي تحيط بها كل طائفة نفسها، فالكثير منهم ينكرون ديانتهم/مذهبهم، فيحسبون أنفسهم على أخرى معروفة ومبجَّلة في مكانها، وإن حدث وقالوا لحقيقة، فمن الصعب التصريح بعقائدهم وطقوسهم، وجوهر إيمانهم، خوفًا من التنكيل، بما لهم من تاريخ طويل، بل ومستمر إلى الآن من الاضطهاد والتعذيب والقتل، أو على أقل تقدير عدم اعتراف الحكومات بهم وبحقوقهم. وثانيها أن تلك الضبابية المقصودة والمتبعة بين أبناء تلك الطوائف أثَّرت على دقة وعمق الأبحاث (نادرة الوجود أصلًا، وخصوصًا بالعربية)، فنتجت عنها معلومات متضاربة ومغلوطة، وإن حدث أن وضعت يدك على معلومةٍ ما، فستأتي أخرى تدحضها بالكامل، فتعاود بحثك من جديد!
اعتمدت رضوى الأسود التشابهات، بل التطابقات، كمبدأ أساسي للتقريب بين الأديان، بغرض تقريب وجهات النظر، وتأكيدًا على وحدة المصدر، وتأكيدًا أيضًا على قول الله في القرآن «ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك»، و«وماأرسلنا قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم». ولنعرف أن هناك أنبياء لا نعلم عنهم شيئًا، ولم يرد لهم ذِكر.
وتشير المؤلفة إلى تشابهات كثيرة، منها أن «الإيزيدية» هي الامتداد الطبيعي «للميثرائية»، وبالمثل نرى تفريعات «لليزدانية» تمثلت في «الإيزيدية»، و«الهلاوية»، و«الدرزية»، و«الكاكائية».
يمكن القول باطمئنان إن الموضوع جد شائق؛ إذ إنه يضم محاولة لإلقاء الضوء على الجوهر المجهول؛ لتبديد المفاهيم المغلوطة، ونشر المحبة والتسامح بين الناس على اختلافاتهم.
ترد رضوى الأسود أصل تسمية الديانة الميثرائية إلى إله الشمس «ميثرا» وتقول عن نشأتها وانتشارها: «أول ورود لاسم «ميثرا» كان في الألواح المسمارية وكذلك في الأساطير القديمة للهند وإيران، وتعد الميثرائية إحدى أقدم الديانات في العالم، ويقول الباحثون إن ظهور الميثرائية كانت نتيجة اتصال طبقة الكهنة الفرس بالكهنة البابليين بعد غزو قورش الأكبر لبابل عام 539 ق.م، وقد انتشرت بين الشعوب الآرية كبداية الإحساس بالظواهر الطبيعية، وخالق الكون والنور «الشمس»، ويعتبر ميثرا واحدًا من تلك الآلهة التي ظلت عبادتها في إيران، حتى أن زرادشت -الذي جاء بعده- دمجه في ديانته، وأفردت له مكانة مرموقة في الطقوس الزرادشتية، وقد امتدت إلى خارج تلك المنطقة، وواصلت انتشارها من إيران وتركيا حتى مصر ومنها إلى اليونان وإيطاليا وبريطانيا، وفي روما وبعد أن غزت القصر الإمبراطوري جعلها الإمبراطور الروماني أورليان عام 274م الديانة الرسمية، حتى أصبحت دينًا مستقلًا حتى القرن الرابع الميلادي، وحيث كان هناك تنافسٌ شديدٌ بينها وبين المسيحية» (ص 25-26).
وتلفت المؤلفة إلى أن الميثرائية اندثرت، لكن امتد تأثيرها إلى: أولًا الزرادشتية، فالإله ميثرا مقدس في الزرادشتية، بما أنه ورد ذكره في كتابها المقدس «أفيستا» حيث يقول «أهورا مزدا» عن ميثرا «أنا الذي خلقته بشكل يستحق العبادة مثلي من جميع الوجوه» (ص 29)، وكذلك وصف بأنه النور، حامي الحقيقة، وعدو الكذب والخطأ، وبأنه حارس المراعي اليقظ. ثانيًا ذُكِر في البوذية أن الميثرائية هي الضو وانبعاثاته. ثالثًا في الهندوسية ورد ذكر ميثرا في الـ«ريج فيدا». رابعًا تعد الإيزيدية تحديدًا امتدادًا للميثرائية، فآثارها باقية وممتدة بقوة فيها، فعلاقة الإيزيديين بالشمس قوية ومنهم من يلقبون بـ«الشمسانيين» -نسبة إلى الشمس- وهؤلاء لا يدفنون موتاهم بعد الغروب، وأثناء العبادة يتوجهون إلى الشمس. خامسًا أما بالنسبة إلى المسيحية فإلى يومنا هذا، هناك رموز في الكنائس الغربية وخاصة إيطاليا تعود إلى الميثرائية، فالمصادر التاريخية تؤكد أن ولادة الإله «ميثرا» من عذراء كانت توافق يوم 25 من شهر ديسمبر، وكان يتم الاحتفال بعيد ميلاده، حيث كان يعتقد بأن الشمس في هذا اليوم تخلصت من قبضة إله الظلام وأخذت بالصعود إلى السماء وازداد النهار دقيقة واحدة طولًا، واستمر هذا الطقس حتى أصبحت المسيحية دينًا رسميًا للإمبراطورية الرومانية بقرار رسمي من الإمبراطور قسطنطين الأول، فتحوّل تاريخ ميلاد الإله ميثرا إلى تاريخ ميلاد السيد المسيح لدى المسيحيين الأوروبيين، وحتى كلمة محراب أتت من كلمة «مهر آب» وهو مكان عبادة ميثرا (ص 30).
في فصلٍ آخر، تقول الأسود عن الديانة «المزدكية» التي أسسها «مزدك بن نامذان» والتي تؤمن بقوتي الظلام والنور كالزرادشتية والمانوية «بعيدًا عن العقيدة أو تحديدًا قبل تبلورها كعقيدة، تعد «المزدكية» في المقام الأول حركة شيوعية، وانتفاضة اجتماعية قام بها الفلاحون وفقراء المدن في الدولة الساسانية، واستمرت من أوائل عام 490م وحتى نهاية عام 520م. وقد نشأت خلال تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية التي نتجت عن تحوُّل في السلطة إلى الارستقراطية الإقطاعية، والطبقة الكردية الزرادشتية على حساب السلطة الملكية. أدى هذا الوضع الجديد إلى زيادة استغلال الفلاحين وإحباط وفقر الجماهير العريضة، والفشل في السياسة العريضة. دُعِمت الحركة من قبل «قباذ الأول» فقامت الطبقة الارستقراطية والطبقة الكهنوتية بإسقاطه عام 496م، لكن بعد عودته إلى السلطة عام 499م تم منح أتباع الحركة المزدكية مناصب إدارية مهمة، وأصبح «مزدك» شخصية مهمة في الدولة الساسانية، استولى المزدكيون على أملاك الارستقراطيين ووزعوها على المحتاجين» (ص 135-136).
وتشير الباحثة إلى أن المزدكية انتشرت في الدولة الأموية ومن بعدها العباسية وقد اتبع الشيعة الإسماعيلية هذا الدين في الدولة العباسية واعتبروه مذهبًا إسلاميًا وليس دينًا جديدًا. وأركانها ثلاثة: الماء والأرض والنار، ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير، مدبر الشر، فما كان من صفوها فهو مُدبِّر الخير وما كان من كدرها فهو مُدبِّر الشر (ص 137-138).
يزخر كتاب «أديان وطوائف مجهولة: جوهر غائب ومفاهيم مغلوطة» بمعلومات وقراءات تستحق الدراسة والتأمل، وفي اعتقادنا أن في هذا إضافة مهمة لدراسات العقائد والأديان المقارنة، في زمنٍ تتسارع فيه الأمور، وتختلط فيه المفاهيم، وتغيب فيه الحقائق.
إرسال التعليق