الحيرة المستمرة: مَن يتحمّل الألم أكثر، الرجال أم النساء؟

الإحساس بالألم نتاج عملية معقدة تشمل مستقبلات الألم التي ترسل إشارات للدماغ لتفسير المحفزات المؤلمة كالحرارة الشديدة والضغط. تختلف إدراك الأفراد للألم تبعًا لعوامل عدة منها الجنس، إذ تشير دراسات سابقة إلى أن النساء أكثر حساسية للألم من الرجال. على سبيل المثال، أظهرت دراسة 2012 أن النساء أكثر حساسية للألم الميكانيكي، ودراسة أخرى أظهرت أن عتبة الألم للحرارة أقل لدى النساء. مع ذلك، أظهرت دراسات أخرى نتائج مختلفة. ولا توجد مقاييس دقيقة لتحمل الألم، مما يفسر تنوع النتائج. اكتشفت دراسات أن مستقبلات الألم تختلف بين الجنسين ما يتيح تحسين علاجات الألم للجنسين.

ليس الأمر سهلا، بل إن الإحساس بالألم هو نتاج عملية معقدة للغاية، تبدأ باستكشاف الخلايا العصبية الحسية التي تسمى مستقبلات الألم، المحفزات المؤلمة ثم ترسل إشارة إلى الدماغ للتفسير. وتشمل هذه المحفزات المؤلمة درجات الحرارة الشديدة والضغط الميكانيكي والالتهاب. وتختلف كيفية إدراك كل إنسان لكل منبه، وفقًا لعوامل مختلفة من بينها جنس الشخص.
وحسب دراسات سابقة فإن أن النساء لديهن حساسية أعلى للألم وعتبة ألم أقل من الرجال. على سبيل المثال، اكتشفت دراسة أجريت عام 2012 أن النساء أكثر حساسية للألم الميكانيكي من الرجال.
وفي دراسة أخرى، طُلب من الرجال والنساء الإشارة عندما يستشعرون محفزا حراريا وتقييم شدته. وأشارت الدراسة إلى أن عتبة الألم للحرارة لدى النساء أقل من الرجال.
وقال جيفري موجيل، أستاذ علم الأعصاب السلوكي في “جامعة ماكجيل”، الذي يدرس الاختلافات الجنسية في الألم: “من المعروف أن الإناث أكثر حساسية للألم من الذكور”، وفقا لتقرير مجلة لايف ساينس.
لكن بعض الدراسات تُظهر نتائج مختلفة، آخرها دراسة نُشرت عام 2023، اختار فيها الباحثون 22 مراهقًا بينهم 12 أنثى و10 ذكور، لاختبار حساسية الألم الحراري. تعرض هؤلاء المشاركون لمحفزات ساخنة وباردة ثم طُلب منهم تقييم شدة الألم لديهم. وكانت المفاجأة أن الذكور صنفوا شدة الألم لكلا المحفزين أعلى من الإناث.
وتوصلت نتائج دراسات أخرى إلى عدم وجود فروق في كيفية استجابة الذكور والإناث للحرارة المسببة للألم.
يقول فرانك بوريكا، أستاذ علم الأعصاب في “جامعة أريزونا”، إن سبب الخلاف بين العلماء وفي نتائج الدراسات العلمية يرجع إلى أنه لا توجد مقاييس “ذات مغزى” لقياس تحمل الألم. وتميل عتبة الألم وتحمل الشخص المعين إلى التباين عبر الاختبارات والبيئات، كما أن بعض الدراسات توصلت إلى أن الإناث أكثر موثوقية في الاختبار من الذكور، حيث يقدمن تقييمات أكثر اتساقًا لإحساسهن بالألم.
ودرس بوريكا الآليات التي يمكن أن تعزز الألم، واكتشف وفريقه مؤخرًا أن مستقبلات الألم لدى الذكور والإناث تنشط بمواد مختلفة، ما يعني أن الخطوة الأولى لإدراك الألم تختلف بين الجنسين.
يقول موجيل إنه لم يُظهِر من قبل أن سمات مستقبلات الألم نفسها تعتمد على الجنس.
وللتحقق من دقة الفرضية، حصل الباحثون على عينات من خلايا مستقبلات الألم من العقدة الجذرية الظهرية، وهي محطة بالقرب من الحبل الشوكي تمر من خلالها المعلومات الحسية إلى الجهاز العصبي المركزي. وأخذ الباحثون خلايا من فئران ذكور وإناث، وحيوانات رئيسية غير بشرية وبشر وعرضوا الخلايا لمواد مختلفة.
وأشارت دراسات سابقة إلى تورط هرمون البرولاكتين في استجابة الإناث للألم ومرسال كيميائي يسمى أوريكسين في استجابات الألم لدى الذكور، لذلك بدا الأمر وكأنهما العوامل المثالية للتجربة. أظهرت النتائج أن الخلايا تصرفت بشكل مختلف عند تعرضها لأي من المادتين عبر جميع الأنواع التي تم أخذ العينات منها.
وخفّض هرمون البرولاكتين عتبة تنشيط مستقبلات الألم لدى الإناث ولكنه لم يؤثر على الذكور. وعلى العكس من ذلك، فإن الأوريكسين يجعل الخلايا الذكرية حساسة ولكن ليس له تأثير على الخلايا الأنثوية. وكلا المادتين توجدان بشكل طبيعي في كلا الجنسين ولكن بتركيزات مختلفة.
وقال بوريكا: “إن مستقبلات الألم التي نستمدها من الحيوانات الذكور أو الإناث أو المتبرعين البشر بعد الوفاة تختلف تمامًا في العمليات التي تنتج هذا الانخفاض في العتبات”.
وأضاف أن هذا الاكتشاف يمكن أن يساعد في ابتكار علاجات للألم يمكن تحسينها للرجال والنساء، خاصة أن معظم مرضى الألم في العالم من النساء. على سبيل المثال، فإن حالة الألم المزمن التليف العضلي أكثر شيوعًا بين النساء منه بين الرجال في الولايات المتحدة.

Source link

إرسال التعليق

ربما فاتتك